11 أكتوبر 2008

هَرَشاتٌ صحوية (الحلقة الأولى)

الحمد لله الذي خلق الشَعْـرَ وجعله للدين إمارة، وجعل (الخراشي) للحُمْقِ منارة، وقيَّض( بن بريك) ليكون غُصة في حلق رواد السفارة، وله الحمد سبحانه عَدَدَ ما نشق( ناصر العمر) وعَطَسْ، و له الحمد عَدَدَ ما سَعْبَـل (بن هبدان) وفي أعماق البلاهة غَطَسْ .

ثم أما بعد... عباد الله ...

فبينما أنا منكب في مراجعة كتاب (أحكام الشَعْـر في الإسلام) لتلميذي غير النجيب سليمان الخراشي- شفاه الله ورفع الله عنه حمقه وجفف سُعبولته- فإذا بطارق على باب مكتبتي، يلح بالطرق والصراخ، وقد علا نحيبه، واشتد صُراخهُ، فصحتُ بحاجبي أن أذن له، فولج فإذا بغلام قد لبس شماغاً على وسط رأسه، وظهرت طاقيته، ومقدمة شعر رأسه، وثوبه إلى نصف ساقة، ومسواكه في جيبه، وقد سوَّر معصمه بساعة العصر، فإذا به قد أكمل ( لوك) الصالحين، الملتزمين، عدا أن ذقنه قد أصبح يباباًَ، لا شَعْرة فيه، ولا شُعيْرة. فسلـَّم عليَّ ولثم رأسي بقبلة صحوية لا بأس بها، ثم جلس وأطرق اطراقة طلبة العلم. وبعد السؤال عن الحال، وبعد أن دارسته شيء من النكت الفقهية، والفوائد العلمية لأزيل عنه وجله وهلعه ثم قلت له: يا بني هل لك من حاجة؟

فأمَـرَ يده على ذقنه الخليَّة من الشَعْـر، وأخذ يُخلِلها بأصابعه، وكأنه يتحسس شعراً (هوائياً) ليفعل ما نفعله (نحن) معاشر العلماء، عندما يحتد النقاش. فإننا نهرعُ إلى لحانا نُمزقها بالتخليل، والحك وهو ما يعرف بنظرية (الهَرْش) من هَرَشَ الحمار قفاه إذ حكه بحافره، ومنه قول المثل المشهور: (هرشةٌ ولا سدلانٌ لها) ومنه اقتبس الفيديو كليب الشهير: (زيديني هرشاً زيديني). ونظرية الهرش تؤكد الإعجاز العلمي للقرأن والسنة – كما أكد عليه غير ما مرة الشيخ (زغلول النجار) حيث اكتشف العلماء أن تحت كل شَعْرَة خلية جذعية متصلة بشكل مباشر بالدماغ، إذا ما هُرشت تلك الخلية، فإنها تزيد من تدفق كريات الدم الحمراء إلى الدماغ، مما يزيد الذكاء. لذا نجد أن الملتحين أشد ذكاءً من غيرهم، ولدينا مثالٌ صارخ على دقة هذه النظرية، وهو شيخنا ( العُتل) (موسى آل عبد العزيز) فقارنه يا رعاك الديان مع بل غيتس لترى عظمة القرأن .

وبعد أن هدأت أسارير الغلام قال بصوت رخيم :
كنتُ يا شيخ من الشباب المُعرض عن الله استمع الأغاني والعب البليستيشن (نرد هذا الزمان) وأشاهد الكليبات وشيء من المسلسلات حتى وصل الأمر بي أن توقفت عن تكفير (تركي الحمد) وكنت أرى والعياذ بالله صحة قرار القصيبي فيما يتعلق بالسماح للنساء ببيع الملابس الداخلية للنساء - مع أني كنت متحفظاً على بيع الكلاسين دون الستينانات- حتى قيّض الله لي رجال الحسبة فقبضوا عليَّ ذات ليلة وأنا انتظر دوري في أحد المطاعم في أحد الأسواق فإذا بشيخ لطيف، قد بسط الله له في جسده بسطة وخصوصاً في يديه، فقد تورمت أصابعه من الطاعة حتى أصبح أحدها كطوبة منصوبة، فإذا بالشيخ يقترب مني، ويجذبني بكل لطف وحنان من مؤخرة قميصي، حتى تمزقتْ أزراره ويسحبني أمام رواد المطعم والسوق، بكل ما أوتي من رقة آخاذة، وهو يشوص فاه بالسواك، لم أتجرأ أن أتفوه بكلمة واحدة له وسط هذا الجو المفعم بالحنية، ثم وصل إلى الدابة المباركة (سيارة الهيئة) ففتح الباب الخلفي وحملني بيد واحدة ورماني داخل الدابة، حتى أنني ارتطمت بالمرتبة الخلفية ليس من قوة دفع فضيلة الشيخ وإنما لأنني لم أتمسك بالشكل الجيد، وقبل أن يغلق الباب سَوَّل لي الشيطان سوء عملي، وخانتني عقيدتي الهشة هشاشة جمجمة (ابو لجين إبراهيم) فقلت له : يا شيخ بارك الله فيك عسى ما شر؟ فتعبَّس وجهه وتبسَّم تبسم المُغْضَبْ ورفع يده ونكأني نكأة قد يسميها بعض المغرضين (صفعة) لكنها- معاذ الله- كانت نكأة لطيفة كالنسمة الشاردة، وكان لخدي الشرف العظيم، أن يلامس تلك الأصابع الرقيقة المسبحة بحمد الله، التي لا تختلف كثيرة عن أنامل نانسي عجرم، عليها من الله ما تستحق .

وبعد تلك (النكأة المباركة) لم أفق إلا وهم يسكبون عليَّ دلواً من الماء، فصحوت من نومتي (وليس من غيبوبتي كما أوردتها بعض الصحف المغرضة على رجال الحسبة - معاذ الله-) فإذا بالشيخ حفظه الله ومجموعة من المشائخ يحيطون بي، وشعر رأسي متناثرٌ على بنطالي وقميصي فقد حلقوا شعري مجاناً بلا مقابل على قلة مواردهم وشح إمكانياتهم. وما أن رأيت تلك الوجوه النيرة حتى سبَّحتُ الله حيث شعرت ٍأنني في غابة من (اللحى) ودهن العود يعبق بالمكان وقد علقت على الجدران شيء من العصي أو ما تسمى بالخيزران ( لزوم الديكور ليس إلا) فصرخ أحدهم في وجهي صرخة جميلة وكأنني استمع إلى اليسا في أبهى تجلياتها وأردف :
أو نانسي عجرم (قالها بعد أن سمع نحنحتي المباركة) وقال لي ذلك الشيخ المهيب : أعترف

فبدأ الشيطان يحاول صرفي وإغوائي من أجل أن أسأل عن أي شيء اعترف به فضلا عن أن أنكر ما يتهموني به، لكنني تذكرت تلك (النكأة المباركة) فقاومتُ الشيطان الرجيم، لكن لساني سبق بمزحة سمجة، فقلت: (اعترف لك إني فعلا ما عرفتك.... ولا قدرت أوصل مع قلبي لحل ولا فهمتك...). وعينك ما تشوف إلا النور يا شيخ مساعد فأخذ كل منهم بخيزرانه من التي كانت معلقة للزينة وصرخ أحدهم قائلاً: بَعَدْ... وتغني لأم كلثوم يا خبيث فصرخ ابو جندل المرسلاتي (نسبة إلى المرسلات) قائلاً : لا نجوتُ إن نجى هذا السفيه، فتوالت علي السياط كأجمل مساج شعرتُ به، في حياتي فضننت أنهم غضبوا لأنني سقت أغنية لأم كلثوم –المصرية- وهذا يتعارض مع (أجندة الإصلاح النابع من الداخل) فقلت لهم: يا جماعة تراكم فاهمين غلط، هذي أغنية لمحمد عبده وهو سعودي وهو صاحب أغنية (فوق هام السحب إن كنت ثرى) وبدأت أترنم بها وكأنني أقول أحدٌ... أحد.

ومع كل ترنيمه تزداد حنية السياط إلى أن شملتني كرامة مشائخ الهيئة فأخذتني (نعسة) وليس إغماءة والعياذ بالله وإنما تعسيلة وأفقتُ على صوت أبو القعقاع البطحاوي (نسبة إلى البطحاء) وهو يصيح: حسبك يا شيخ ... حسبك يا شيخ ... يبدو والله أعلم بأننا وهمنا، عندها توقفت معزوفة السياط ....
يتبع في الحلقة القادمة ...
أملاه: سماحة السيد شيخ صامطة وما حولها العلامة :
مساعد البقمي – صامطة

ليست هناك تعليقات: