11 أكتوبر 2008

هرشات صحوية: الجزء الثاني

عندما سمع المشائخ أبو القعقاع البطحاوي يصرخ بأعلى صوته : أنْ امسكوا عن الجَلد حتى توقف صرير الخيزران، عندها قال أبا ابو القعقاع حفظه الله : يبدو أننا قد وهمنا فصاحبنا المُبلغُ عنه ليس هذا الشاب وإنما شابٌ آخر انسل دون أن نراه فالحمد لله أولاً وأخراً وظاهراً وبطاناً.

قال ابو القعقاع : الحمد لله على كل حال، فهذا الشاب أيضا لا يخلو من (قروب) منكرات تجيز تعزيره، من لبس بنطال واقتناء بُراق الجُحفة ( تعريب بلوتوث) وترنمه ببعض الأغاني، عدا المنكرات العقدية التي لم تظهر بعد، وكما تعلمون فنحن معاشر المحتسبة من المحسنين وما على المحسنين من سبيل، اجتهدنا فأخطأنا، فعملنا دائرٌ بين الأجر والأجرين.

ثم التفت ليّ ذلك الشاب وقال: والله يا شيخ مساعد إني حزنت أيما حُزناني لأنني أشغلتهم وعطلتهم عن عملهم، فانشغلوا بي عن ملاحقة المنكرات، فاعتذرتُ لهم. فقال لي أبا جندل : لا عليك يا أخي فنحن رجال الحسبة شموعٌ تحترق لتضيء للآخرين. ثم أطرق اطراقة ملائكية ونشج وهو يقول : يا بُني دعونا نعمل بصمت، كررها ثلاثاً.

ثم أدخلوني غرفة يقال لها (صُفّةُ الوعظ) فيها ما لا عين رأت, ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، من الأشرطة السمعية، والأفلام الجهادية، والكتيبات الدينية, فقرأت وسمعت وشاهدت ووالله ما خرجت، وفي قلبي مثقال ذرة من بدعة، أو منكر، حتى أنني يا شيخ مساعد بدأت أشم رائحة عَـرَقي مسكاً، وسمعت هاتفاً يهتف من جهة خرسان، يصيح بأعلى صوته: وأيمُ الله لقد فزتَ يا غلام، كررها
عشراً.

ولما خرجت من الصُفّة، قابلني أبا جندل وفي يده ملابس بيضاء وشيء من سدر، فقال لي : دونك هذه الملابس فاذهب إلى بيت الخلاء واجلي عنك دَرُنُك واغتسل بماء وسدر، واخلع عنك ملابسك المدنسة بعَرَق المعاصي، فدخلتُ بيت الخلاء، وما أن سمعوا تقاطر المياه, حتى طفقوا يكبرون، ويهللون, ثم خرجت إليهم فاحتضنوني وسألوا الله لي الثبات.

ثم انخرطت في عدة دورات تأهيلية للمسلمين الجُدد، كان أحدها دورة (أحكام الإتكيت) تعلمنا فيها تكنيك الإلتزام ابتداءً من لبس الشماغ، ومروراً بالمشي، وطريقة دعك اللحية، وهرشها وانتهاءً بتمعر ( الخِشَّة) والتحكم بعضلات الوجه عند مجابهة المنكرات، او مقابلة الفُساق، وهي ما تسمى بنظرية (التمعُر) وهي نظرية صعبة إلا على من سهلها الله عليه. وكان المشرف على هذه الدورة الشيخ الوسيم أو كما اصطلح على تسميته ( رامي الصحوة) الشيخ محمد العريفي حفظه الله. أما دورة (كيف تكون أحمقاَ في ساعة) فألقاها إمام المغفلين في هذا الزمان ذي السعبولتين، الشيخ سليمان الخراشي بالتناوب مع تلميذه إبراهيم الشهري (ابو لجين إبراهيم).

أما دورة (وخز الجاموس في إعداد الجاسوس) فألقاها علينا أبا براطم حُجّةُ الله ( أكاي) وقد استفدنا منه حفظه الله بحكم تخصصه في هذا الفن وعلمنا أحكام كتابة التقارير، وكافة الأعمال الخاصة بالجاسوس المسلم، مع أن بعضنا كان يتأذى من شخيره، حيث كان يتنفس شخيراً لا يقطعه إلا بغرس سبابته في أنفه بين وصلة وأخرى، حتى أنه في أحد المرات قاطعه أحد الزملاء حديثي العهد بأغاني قائلاً : أتق الله يا أكاي، اتق الله،حسبك شخيراً، حسبك شخيراً، فقال له : ما لك يا بني؟ قال : شخيرك بدأ يتحول إلى معزوفة شبيهة بأغنية ما جنة- والعياذ بالله - فقال له : أصادقٌ أنت يا بني؟ قال : نعم، فقد تطابقت نغمات شخيرك مع السلم الموسيقي لأغنية ( بوس الواوا ) التي تعرفها جيداً هداك الله، فأمسِك عليك شخيرك، واشدد عليك براطمك، ولا تُضِعْ جهادك وتقاريرك، بارك الله فيك، فقال أكاي وهو يقبض على لحيته، جُزيت خيراً يا بني، ثم لم نرى أثراً لذلك الفتى بعد تلك الواقعة، فلم نعلم ما صنعت تقارير (أكاي) به.

وبعدها انخرطتُ مع الإخوة في طلب العلم والجهاد في طلبه وتحصيله والدعوة وملاحقة العلمانيين. ثم تنهد الغُلام نَهْدَةً ظننت أن روحه قد خرجت من أذنيه و قال: ثم حدث ما كنت أخشاه- يا شيخ مساعد - منذ أن فكرت بالالتزام وهجران المعاصي فقلتُ
له: هيه يا غلام هيه ( أي تحدث بطلاقة) فقال:
ففي زمن الغفوة والضلال، زينت لي نفسي -الأمارة بالسوء - أن أزيل شعر لحيتي بالليزر، بحيث يقضي على أصلها وفصلها من لغاليغها في الدماغ، ومنذ تلك العملية وأنا ملقي بالأمواس، فلا ينبت لي شعرٌ في ذقني، وبعد التزامي بدأت لحيتي تؤرقني، وأنا أرى أخوتي في الله يهرشون ولا أهرش، ويمشطون ولا أمشط، ويدعكون ولا أدعك، كما أنني أرى تمعُر بعضهم في وجهي عندما يرونني؛ فالوكُ لوكُ الصالحين, والذقنُ ذقنُ الفُسَّاق الزائغين، فكنتُ استعيض بالهرش الهوائي، (قيل وما الهرش الهوائي قال : أن يمرر الأمرد يده على ذقنه
ذهاباً وأياباً مقبلاً بها ومدبر) حيث أمرر يدي على ذقني, وأخلل الشعر الهوائي، وادعك ذقني بدهن العود،إلا أن النظرات بدأت تتكالب عليّ، حتى أصبحتُمطوع درجة ثانية، لا يقيمون بي رأساً، ولا يسندون لي أمراً، وما يوم المحكمة بسر فقلت له: وما يوم المحكمة يا غلام، قال: اتصل عليّ ذات صباح الشيخ سليمان الخراشي وقال لي: أشدد عليك ثيابك ولا تصلين الضحى إلا في المحكمة الكبرى فحاولت أن استفسر فقال كلمته الشهيرة: لا تسل يا غُلام ...

أملاه الفقير إلى عفو ربه :
مساعد البقمي
صامطه

ليست هناك تعليقات: